jeudi 13 octobre 2011

النظام العربي: نحكمكم أو نبيدكم


بقلم: مصطفى البعزاوي لم يشهد التاريخ البشري أمثلة على ظلم الحكام و استبدادهم كما هو حاضر الحال في منطقتنا العربية, التاريخ علمنا أن الدول المركزية لا تستطيع التعايش مع غيرها من مراكز القوة، فهي إما تعيش وتحكم و حدها أو تتناحر مع غيرها لتحكم في النهاية وحدها. هذا ما نعرفه عن تاريخ الإمبراطوريات و الأباطرة. ولعل سر الاستبداد الذي تحدثه هذه الدول أو الإمبراطوريات في مواطنيها يكمن في بطء حركة المعلومة في منطقة نفوذ هذه الحكومات و اعتمادها على عناصر الحكم الاستبدادي التقليدية، الولاء، المال و القمع. فقد نجحت هذه الدكتاتوريات دائما، لكن إلى حين، في مدارات الجرائم وحمامات الدم التي تقترفها في حق شعوبها اعتمادا على التشكيك في كل خبر لا تكون السلطة مصدره.
التاريخ المعاصر أفرز نموذجا مستحدثا لنمط الدولة القومية التي قامت غالبا على أساس تجانس الأفراد داخل حدود جغرافية معينة. لكن ما إن انتهت الحرب العالمية الثانية حتى بدأ تشكل نظام المجموعات من الدولة القومية نفسها بعدما وصل الفكر السياسي الأوروبي إلى حقيقة و حتمية التعايش بين الشعوب في إطار أوسع من ضيق الدولة القطرية وهو تطور نوعي في الفكر الإنساني من المؤسف أنه اقتصر على ضحايا الحربين و لم يعمم على بقية الشعوب. للتذكير فإن المجموعة الأوروبية ولدت في 1952. 
أنظمة الحكم في بلداننا العربية كانت خليطا هجينا من إرث تراثي سلطة مركزية ظالمة الخلافة ببعدها الديني و من مشروع و حلم إقامة دولة قومية حديثة على النمط الغربي، فتمخض الجبل ليلد كارثة تلخصت في ملكية قطرية بصورتها الأموية في الخليج و « خليفة « بربطة عنق في باقي البلدان العربية و هو أسوأ نظام حكم في التاريخ الإنساني
و في الوقت استفادت الدول الأوروبية من تجربتها في البحث عن خصوصيات لبناء نموذج دولتها القومية فإن الدولة العربية ما بعد الاستعمار اجتهدت في تفتيت المقومات التي تجمعها و بحثت بالمجهر عن ما يميزها و التنقيب عن كل ما يمكن أن يبعدها عن محيطها الجغرافي و الثقافي و المشترك التاريخي بينها. فما يمكن أن يجمع بين الفراعنة و القرطاجيين والبربر و القبائل و العشائر العربية بمختلف مسميات عائلاتها و مشايخ قبائلها. و عليه، تحولت المنطقة العربية من منطقة متجانسة جغرافيا و ثقافيا و اقتصاديا و تاريخيا إلى مجموعة من الكيانات المتناحرة أعادت إنتاج أنماط حكم أجدادهم بدء بالدولة الأموية إلى ملوك الطوائف في الأندلس ودول الأيوبيين والمماليك في مصر والشام.
لا نعلم حقيقة ما يسند هذه الدول ولا ندري كيف تجدد قواها التي تحميها برغم فسادها و غسيلها القذر المنشور على كل الأعمدة. أنظمة سلطوية، متفردة نرجسية، فاسدة و متخلفة، لا بل كارثية بكل المقاييس لا تقف على قاسم مشترك يوحدها. لكل دولة زعيمها و نشيدها، جيشها و علمها و حدودها. في نهاية القرن العشرين انضاف إلى هذه الجوقة عنصر جديد هو الفريق القومي لكرة القدم و أصبح عنوان نجاح نظام من هذه الأنظمة في نهاية الأمر بين أقدام مجموعة من الأفراد يتقاذفون صورته بين النصر والهزيمة. حرب الكرة بين مصر والجزائر مثال صارخ على هذا السقوط القيمي.
كل هذا وهي أنظمة ساقطة و مذمومة من كل الشعوب مع تواطؤ مريب من الدول والهيئات الدولية. شعار السيادة والاستقلال في الدولة الحديثة رفع للتفرد بالشعوب وإذاقتها مرارة القهر و الظلم والهزيمة و الفقر و التخلف و الذل. نلمس ذلك في البؤس اليومي للناس، في تدني الخدمات العامة و مظاهر الفقر و الجهل والتخلف في جميع مجالات الحياة حتى تصل إلى النكتة في الشارع بين أفراد المجتمع كعنوان من عناوين الرفض لهذه الأنظمة. إلا أنها مع ذلك أنظمة قائمة متحكمة، متسلطة، جائرة وفاسدة فسادا بينا مفضوحا. و مع ذلك لها من مقومات القوة ما مكنها من الكذب والنباح بلا نهاية ولها جيش من « الخبراء» يبدعون في تقنين القمع و قتل حركات الإصلاح وتدجين مؤسسات المجتمع المدني والنجاح في الوقوف بصلف و عنف في وجه كل المعارضات، بل في وجه محاولات الإصلاح حتى من داخلها. و هذا ما لم نكن نفهمه. أما ما أصبحنا نفهمه الآن هو أن هذه الأنظمة لم تكن أنظمة سياسية تحكم شعوبا حتى و إن كان بالحديد و النار. بل هي عائلات لا علاقة لها بالسياسة وبالشأن العام لا من بعيد و لا من قريب. إنها عائلات تحكم الناس على أنهم عبيد ورعاع يأكلون و يشربون و يتزاوجون ومن رحمة الله أنهم يموتون. يدفعون ما عليهم من الإتاوات و الضرائب و الأداءات ويكدحون في سبيل تأمين الحد الأدنى من ضروريات الحياة المادية. في حين يبدد أفراد العائلات الحاكمة كل ما تحت وما فوق الأرض على النزوات و الفساد والإفساد. يعتبرون أنفسهم فوق المساءلة بل لا يتصورون أن يسألهم أحد عن طلاقة أيديهم في مشاعة التصرف و التحكم المطلق في ما يعتبرونه ملكا خاصا .
وما إن قامت الشعوب تقول لهم إنكم موظفون مكلفون بمهمة تسيير البلاد والسهر على مصالح الناس وجدوا أنفسهم مجبرين على كشف حقيقتهم وإفهام الناس إنهم ليسوا بشرا بل « جرذان» تجب إبادتها. كان عليهم أن يطهروا عبيدهم من العناصر الكافرة بالنعمة والمتمردة على أسيادها وأولياء نعمتها «زنقة زنقة و بيت بيت». تقتيل الناس في المظاهرات السلمية منها و العنيفة هو بالنسبة لهم مجرد عملية «تطهير الرعية المارقة» و حفظ الأمن العام الذي لا يعني في الحقيقة غير تأمين وتأبيد مواقعهم حتى يعود قطيع الشعب إلى حظيرته ويعاود أسلوب رعيه الذي اعتاد عليه.
اكتشفت الشعوب فجأة أنها بشر واكتشف الحكام فجأة أن هذه القطعان لا تستحق غير القتل والإبادة و ندموا على كل حسنة تصدقوا بها عليها و أيقنواالآن أن وحدتهم و تحالفاتهم هي ضمانة المحافظة على كياناتهم و أسرهم وهم مستعدون أكثر من ذي قبل لإفناء هذه الشعوب. لذلك خرج علينا أحد أباطرة هذه العصابات وهو الآن يبحث عن جحر يداريه - بعد أن كاد كيده و جمع غيظه معلنا أنه قرر أن يستبدل عبيد العرب بعبيد العجم لأنهم أولى بالنعمة وأهل للمنة من بني جلدته.