mercredi 9 mars 2011

الشعبان الليبي والتونسي: الثورة تجمعنا، والانترنت تقرّبنا


قدّمت الثورات العربية، في تونس، أولا، ثمّ في مصر، وما يجري اليوم في ليبيا، ودول عربية أخرى، نموذجا من الترابط القومي الشعبي قلّ نظيره خلال العقود الماضية، وكأن ما يجري هو ترجمة فعلية لما جاء في كلمات فخري البارودي "بلاد العرب أوطاني/ فلا حد يباعدنا/ ولا دين يفرقنا" واليوم الثورة تجمعنا، والانترنت تقرّبنا.

ومنذ اندلاع ثورة 17 فبراير/شباط الليبية، تشهد النقاط الحدودية الليبية-التونسية حراكا هاما وتدخّلات شعبية تونسية مكثّفة من أجل تقديم يد المساعدة للاجئين القادمين من ليبيا سواء كانوا تونسيين أم ليبيين أم مصريين أم من جنسيات أخرى.

ولم تزد "ثورة الأحرار" ضد ظلم الطغيان العلاقة الليبية التونسية إلا لحمة ومتانة، رغم ما جاء في خطاب العقيد معمّر القذافي ونجله سيف الإسلام، من اتهامات وتحريضات ضدّ التونسيين؛ ورغم صراخ العقيد ومكبّرات الصوت التي خطب عبرها ليصل صداه التهديدي إلى أبعد مدى، فإن صوته العالي خبا تأثيره وبطل مفعوله بعد أن علت الأصوات مشحونة بتأثير كلمات الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي: "أيها الظالم المستبد، حبيب الظلام، عدو الحياة.. سخرت بأنات شعب ضعيف، وكفك مخضوبة من دماه..".

ولقد قام هذا الشعب، وأثبت أن "تحت الرّماد اللهيب ومن يبذر الشّوك يجن الجراح".. فحذار أيها العقيد!

لقد هب شعب ليبيا تتقدمه طلائع شبابه، مستلهما ثورة تونس ومصر، لتحرير ليبيا من قبضة ديكتاتورية استمرت واحدا وأربعين عاما؛ قام الشعب الليبي، وانتفض ودخل أتون معركة، هو يعرف أن ثمنها باهظ وسيدفعه شباب ليبيا من دمائهم؛ والشعب الليبي مستعدّ لدفع هذه الضريبة العالية من أجل مستقبل أفضل لأجيال ليبيا الصاعدة.

ومثلما ارتوت أرض بنغازي والبيضاء وطبرق وطرابلس، ، ومصراتة، والزاوية وغيرها من التراب الليبي، من قبل بدماء شهداء حرب التحرير، ومثلما اخترق صوت عمر المختار أفق المستعمر الإيطالي الضيّق، فإن صوت "ليبيا 17 فبراير" علا بدوره واخترق أفق القذّافي، وأجابه بنفس لهجته التهديدية "سيجرفك السيل، سيل الدماء ويأكلك العاصف المشتعل".

وكما خرج الليبيون مهلّلين بـ"الثورة" التونسية، تبنى التونسيون الثورة الليبية، فحملوا معهم سلاح الكلمة، ودخلوا معهم ساحة الوغى الالكترونية.. متطلّعين إلى يوم قريب يتمكن فيه الشعب الليبي من التخلص من الحكم الديكتاتوري؛ وبما يمكن الشعبين الشقيقين من مواصلة علاقات الأخوة والجوار، والتعاون في مجالات التنمية والبناء، والتضامن والتكاتف.

تونس وليبيا: الوطن واحد والدين واحد واللغة واحدة والتاريخ واحد والقومية واحدة والمصير مشترك...؛ واليوم انضمّت "ثورة الأحرار" لتزيد من ترابط العلاقة بين الشعبين؛ علاقة أزلية جذورها ضاربة في التاريخ منذ ما قبل الإسلام وقبل أن تطأ قدم العرب الأرض الأفريقية.. وقد كانت دوما بمنأى عن المؤامرات السياسية، ومخطّطات الحكّام ومصالحهم.

ويحوي تاريخ البلدين المشترك شهادات عديدة تؤرّخ لروح التآخي التي كانت دائما تجمع الشعبين الشقيقين؛ روح لم تتجسد فقط في هذه الفترة الحرجة من التاريخ، بل تجسّدت من قبل، حين ساند أهل ليبيا المقاوم التونسي علي بن خليفة النفاتي وإخوانه من المجاهدين التونسيين ضد المستعمر الفرنسي؛ وكانت ليبيا ملجأ لهم بعد أن ضاق الخناق عليهم في تونس، فأقام بها علي بن خليفة، وقاد منها إحدى أولى الثورات التونسية المسلحة ضد فرنسا، وإن كان مسقط رأسه في بلده تونس، فإن مثواه الأخير كان في بلده الثاني ليبيا، وبالتحديد بالزاوية الغربية التي توفي بها سنة 1885.

وبعد أن نال البلدان الاستقلال ازداد التلاحم الوثيق بين الشعبين ورغم الاختلافات والصراعات التي تحدث بين الحين والآخر بين النظامين، إلا أن إرادة الأخوة بقيت ثابتة، ويحتفظ التاريخ بمواقف مشرفة في الأزمات مما كرس مبدأ الشعب الواحد وضمن الأمة العظيمة في البلدين.

وعندما فرضت أمريكا حظرا على ليبيا، لم يلق هذا الحظر آذانا صاغية من الشعب التونسي المؤمن بوحدة التاريخ والمصير، وكانت المنافذ التونسية الحدودية مع ليبيا متنفسا لليبيين.. مثلما هي اليوم متنفّس الليبيين الفارين من بطش الطغاة.

ومسيرات التضامن التي ينظّمها التونسيون لمساندة الشعب الليبي، ولجوء آلاف الليبيين إلى تونس، رغم أن الحدود الليبية تفتح على بلدان أخرى، يترجمان هذه العلاقة الخاصة التي تجمع الشعبين الشقيقين الليبي والتونسي، في أصدق معانيها وأنبل صورها.

وكانت معابر رأس جدير وذهيبة أول وجهة هرب إليها الليبيون، فتلقّفتهم أحضان إخوانهم وأهاليهم في تونس وشملتهم رعاية القوافل الصحية وخيام الجيش التونسي وجمعيات المجتمع المدني.

وكما يتطلع التونسيون إلى عودة الأمن والاستقرار إلى ربوع بلادهم، فإنهم يتطلّعون إلى عودة الأمن والاستقرار إلى ربوع هذا البلد الجار والشقيق، وتحقيق تطلعات الشعبين التي سيكون لها عميق الأثر والتأثير على تونس وعلى ليبيا.. ولم لا على العالم كلّه؛ فليبيا التي قد لا يعرفها الكثير من سكّان العالم، هي غير "ليبيا القذّافي".. والصورة التي ارتبطت دائما بتصرّفات العقيد الغريبة صورة مغلوطة، على جميع المستويات.

ليبيا، هذا البلد "المظلوم" الذي ينام على ثروة سياحية وثقافية وفنية وأثرية هائلة، كانت هي أولى بالأموال التي صرفت على تمويل المتمردين في كل بقاع العالم وجعلت "ليبيا" دائما موضع اتهام.. فمن حقّ الليبيين أن يفخروا بما تزخر به أرضهم من ثروات أخرى غير البترول والغاز.. ثروات كانت وما تزال فخر الشعوب ورمز عراقتها وعزّتها، وليبيا تملك منها الكثير.

ولأن ليبيا اليوم ليست ليبيا الأمس، يحدونا أمل كبير بأن المستقبل في بلاد عمر المختار سيكون مشرقا، والليبيون قادرون بما يمتلكونه من رصيد حضاري أن يبنوا نموذجهم الفريد ويؤكدون تلك المقولة المأثورة عن هيرودوت اليوناني "من ليبيا يأتي الجديد"، وهم سيفعلون..


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.