dimanche 20 mars 2011

الله شاء لنا الثورة فكان قرار العرب لا القذافي ولا إهدار الثروة



الله شاء لنا الثورة فكان قرار العرب لا القذافي ولا إهدار الثروة


كم أتمنى أن يتفطن شباب الثورة في كل من مصر وتونس إلى ما يكيده بقايا النظام البائد في كلا البلدين. وأخطر ما يمكن أن يصيب الشباب في هذا الباب لا قدر الله أن تموت فيه سرعة البديهة بموجب المفعول السالب لسموم القوى الرجعية في كلا المجتمعين.


لنأخذ المثال الأكثر تداولا بين الناس. لا لأنه جد هام وإنما لأنه يجسد مشكلة مفتعلة تقصر من أعمار الشباب التواق إلى الأفضل. وهي مشكلة الفصل بين الدين والسياسة. إنها مسالة مغلوطة إذ ليست هنالك علمانية خارجة عن الإسلام. فالإسلام علماني فضلا عن كونه ماورائي. وكلّ ما يقال عن هذه المسألة هذه الأسابيع، بل في الأشهر والأعوام الماضية، عبارة على ترهات، الغاية منها فصل الشباب عن مشكلات مجتمعه الحقيقية.


أما أوكد مشكلة من بين تلك المشكلات الآن فهي التدخل الامبريالي في المغرب العربي. وفي هذا الصدد يمكن للشباب أن يتدارك ما فاته جراء الانقسامات المفتعلة فيُسرع بالشحذ الذاتي للعزيمة. ولن يتسنى له ذلك حسب اعتقادي إلاّ لمّا تؤول رحلة البحث عن الحقيقة لديه، مهما قصر أمدها، إلى بلوغ القناعة التامة التالية:إنّ الذي صنع ثورة تونس وثورة مصر وثورة العرب، لا هم الشباب ولا هم الشيوخ ولا هم الرضع، إنما هو الله عز وعلا. وهذا شرط أساسي لقلب المعطى الاستراتيجي في الصراع ضد الامبريالية وفي حدوث الوعي بضرورة صدّ الاعتداء على الشعوب والأراضي العربية بمنطقة المغرب العربي.


وبالرغم من أنّ القذافي صار عدوّا للغالبية من العرب (المعنيين دون سواهم)، إلا أنّ ذلك لا يمنع من ضرورة نبذ التدخل الأجنبي والتنديد بالوصاية والكفاح من أجل الاحتفاظ بسلطة القرار الوطني (الليبي) والقومي والإسلامي. إنها حقا لمفارقة عجيبة: نحن ضد القذافي وضدّ التدخل الامبريالي. ويسألني أصدقائي من الشباب: "ما الحل" فأقول لهم دون تردد: "الحل بأيديكم".


ومقولة "الحل بأيدي الشباب" صحيحة إلى حدّ اليقين. ومنطلق اليقين أن الله عز وجل هو الذي يسيّر الصراع العربي/ الامبريالي. لا هو الإسلام السياسي ولا هي العلمانية. والنجاح في كسب الرهان ضد الامبريالية الجديدة والمتجددة والتي تكتسي هذه المرة ثوب القذافي (أقول هذا بمعزل عن كل العار الذي جلبه للأمة) يستوجب الكدح؛ الكدح إلى الله سبحانه وتعالى، لا الكدح إلى المناصب والكراسي بلونيها الإسلاموي والعلماني.


وإلاّ ماذا يحصل لما ينسى الشباب الله و يلجأ إلى الإسلام السياسي وللعلمانية؟ لن يرى مانعا في ترك الشمس تبزغ من الشمال؛ لن يمانع في دخول جحافل الطامعين إلى عمق أراضية بل وتسربهم إلى عمق وجودهم الشامل. وسبب تهاونه أمام مصيره عندئذ واضح وضوح الشمس: تراه يؤجل الحسم في مثل هذه القضايا المصيرية (افتكاك سلطة القرار) بدعوى أنه مشغول بفك رموز هذا الصراع، غير دارٍ بأنّ هذا الأخير مفتعل.


كما أنّ لمقولة "الحل بأيدي الشباب" وجهها الإجرائي والسلوكي والعملي بخصوص مسالة القرار. إذ إنّ الكدح إلى الله سيُحررنا من الغطرسة الأجنبية. والتحرر رهن انتقال سلطة القرار من عند الآخر (مجلس الأمن وقوى الهيمنة العالمية) إلى عند شباب العرب وشعوب العرب.


ولمّا نجمع شرط الإيمان بإله صانع لأسباب الثورة لدى الثائرين ومنقذ من الامبريالية مع شرط الإيمان بضرورة التمكين القراري، يتضح لنا أنّ الدين والسياسة ينفكا عن أن يَظرهرا لنا على أنهما مفصولان، بل سنتأكد من أنهما ممزوجان بطبعهما، ومن أنّ الفصل بينهما صعب. وإذا حصل الفصل فالمزج أصعب، لأنّ العقل صار مفصولا عن الواقع. ونحن أمة لا تملك إلا أن تخجل من نفسها إذا أدركت حق الإدراك أنّ هنالك قوةً لم تنفكّ عن دفعها على الانفصال عن الواقع.

إذا اتفقنا على أنّ الله هو الصانع الأصلي للقرار الثوري وأنه الكفيل وحده بهدايتنا إلى اتخاذ القرار (السياسي) الثوري، لم يبق إذن إلا إثبات أنّ الثورة ثورتنا تخييرا بعد أن وقع تأمين مرجعيتها الإلهية تسييرا،على عكس ما يروَّجُ له هنا وهناك من أنها بفعل فاعل (أجنبي). والثورة فعلا ثورتنا، وذلك في أسوء الحالات بمنطق "كذب المُنجمون ولو صدقوا". ولن يكون الإثبات ذي جدوى دون الضغط، الآن، على المتدخل الامبريالي المصبوغ بالإنسانية، لكي يتبع قرارنا، نحن أصحاب الثورة. وإلا فستهرب منّا هروبا.


لكن ليس كل التونسيين ولا كل المصريين مُدربين على الرجوع إلى الله من أجل استساغة سبل أخذ القرار بهدي منه، بالرغم من أنهم يعرفونه حق المعرفة. أرَجّح أن يكون التواكل غالبا عليهم وأنّ الذي يعوزهم عدم المسك بناصية العلوم المؤدية إلى التحرر الذاتي (الموصل إلى مرتبة اتخاذ القرار)، ناهيك القرار الذي يخص الاستراتيجيات العامة للتخلص من التبعية و للارتقاء الحضاري.


إنّ اتخاذ القرار واحد من المسؤوليات المركزية للثورة، لكل ثورة. وانعدام المهارة في أخذ القرار صنف من التخلف لا بدّ من مجابهته وترميم البنى العقدية و الثقافية المسئولة عنه قبل تمكين الشباب بالمدّ المطلوب لبناء سلطة القرار لدى الفرد والمجموعة.


أمّا الذي يحصل الآن في غياب التأصيل العقدي وعوضا عن الترميم والتمكين المطلوبين أنّ غالبية الناس في تونس (و أتصور أنّ الوضع مماثلٌ في مصر أيضا)، يتحدثون عن الثورة أكثر من إنجازهم لها. وهو الفراغ المعنوي الشامل المنتج للتكرار والمهدد بالنكوص.


بينما من مسؤوليات الثورة الآن، بعدما يحدث التجذير الإيماني، ومنه يتحقق التمكين من أسباب البناء الداعم لأخذ القرار، أن نقرر أنّ أمريكا ومجلس الأمن لم يعودا قادرين على حفظ الأمن في العالم، وأنّ المؤمنين بالله واليوم الآخر هم الذين سينقذون العالم من الكوارث التي يتسبب فيها الإنسان وكذلك من الكوارث الطبيعية التي قد تكون هي الأخرى ذات صلة بما يقترفه الإنسان من موبقات ومحرمات ومحظورات، مصحوبة بشح موصوف في شكر الله وحمده.


على أية حال نسأل الله أن يُمَكن شباب أمة العرب والمسلمين من انتهاج سبيل الكدح إليه ابتغاء تجسيد قرار الإعلان عن بدء ممارسة حقنا في الحياة، مثلما نريد تخييرا، ومثلما أراد لنا الله تسييرا.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.