samedi 26 mars 2011

الاقتراع على الأفراد أو على القائمات ؟

الاقتراع على الأفراد أو على القائمات ؟

بقلم : منير السنوسي *تقدّمت لجنة الخبراء التابعة للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الدّيموقراطي بمشروع مرسوم يتعلّق بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي تمّ توزيعه على أعضاء الهيئة في جلستها الأولى ونشرته 'الصباح' لتعميم النقاش حوله وبدأ أعضاء مجلس الهيئة العليا في النّظر في محتواه وفي دراسته قبل الشروع في التداول في شأنه انطلاقا من الجلسة المقبلة المقرّرة ليوم 26 مارس بعد تعديل واستكمال تركيبة الهيئة.
وقد أبدى البعض من أعضاء المجلس ارتياحهم لمحتوى المشروع ككلّ باعتباره ورد في صيغة مقترحات مفتوحة لكي تكون أرضية أوّليّة للنقاش والحوار، وتساءل البعض الآخر من أعضاء المجلس حول ما يسمّى بشرح الأسباب أي الأسس القانونية والفكرية التي تقوم عليها الفلسفة العامة للمشروع، وتعهّدت لجنة الخبراء بشرح تلك الأسباب إبّان الشروع في النقاش في الأصل بتقديم منهجية العمل التي اتبعتها وكذلك بإبراز التوجهات العامة للمشروع والمقترحات الواردة فيه. وأورد أهل الاختصاص من فقهاء القانون العام على أعمدة الصحف ملاحظات بنّاءة تهدف إمّا إلى توضيح بعض أحكام المشروع أو إلى اعتماد أحد المقترحين المضمّنين فيه، كما دعا شقّ آخر من أهل الاختصاص إلى تفادي الثغرات وبعض التناقضات الواردة في المشروع بإضافة مقتضيات أخرى لم تنتبه إليها لجنة الخبراء. وغنيّ عن القول أنّ مثل هذا النقاش الثريّ والفيّاض الذي كان في السّابق منحصرا في مدارج كلّيّات الحقوق وحلقات التدريس، أصبح اليوم بفضل الثورة شأنا عامّا تتداوله الصحف ووسائل الإعلام عن كثب ويهتمّ به المواطن التونسي في كامل تراب الجمهورية.
سيتولّى مجلس الهيئة البتّ في مختلف المقترحات والملاحظات ولكن يجدر التوضيح أنّ ما كتب حول المشروع باعتباره نصّا أكاديميّا بحتا تطغى عليه الصبغة الدراسيّة والتعليمية، هو في حدّ ذاته إشادة بالوضوح الذي التزمت به لجنة الخبراء في صياغة المشروع، فقد ورد بالفعل وفي أغلب فصوله واضحا ومستساغا لأنّه موجّه أوّلا وبالذات إلى جمهور الناخبين وعموم المواطنين، وقد تفادت اللجنة التعقيدات وغموض الأحكام التي قد يكون من شأنها المساس من مصداقية النصّ ومدى مقبوليّته من طرف الناخبين والفاعلين السياسيين. وأمّا فيما يخصّ ما اعتبره أهل الاختصاص من فقهاء القانون أنّ المشروع يفتقد إلى نكهة سياسية، فإنّ هذا الرأي يستقيم كذلك مع منهج اللجنة باعتبار أن كلّ قاعدة قانونية وكلّ نص قانوني يجب أن يكون عامّا ومجردا بأن لا يخدم مصالح فئوية أو حزبية أو غيرها من الأهداف الضيّقة.
وقد يكون المقصود من افتقاد النصّ لنكهة سياسية معيّنة عدم إدراج أحكام واضحة وثوريّة تمنع الحزب الحاكم السابق من الترشح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وقد ورد نفس الاعتراض عن البعض من أعضاء الهيئة العليا الذين طالبوا بمنع صريح يشمل خصوصا قياديي الحزب الحاكم السابق. والأكيد أنّ الهيئة العليا ستتداول في هذه المسألة الهامة، ولكن يجب التوضيح أن مشروع المرسوم يتضمّن حالات حجر تمنع المحكوم عليهم من أجل مصادرة أموالهم من الترشح للانتخابات، وتشمل هذه الأحكام أساسا قياديي الحزب الحاكم السابق. كما يجدر التوضيح في هذا الصدد أن الناخب هو الذي يملك سلطة الفصل في الموضوع إذ أنه يملك القدرة على التمييز بين المترشحين مهما كانوا من خلال تعاونهم المباشر وغير المباشر مع الحزب الحاكم السابق، وقد تعتبر هذه الطريقة التي تسند للشعب صاحب السيادة حق الاختيار أفضل طريقة ديموقراطية للفصل في هذه المسألة، كما أنّها تردّ الاعتبار للمواطن التونسي ولملكة التمييز التي أثبت جدارته بها. وينطبق نفس التمشّي على مسألة تصويت التونسيين بالخارج الذين شملهم المشروع ولم يتم بالتالي إقصاؤهم من الانتخابات علاوة على أنّ جمعيات التونسيين في الخارج ممثّلة داخل الهيئة العليا.
المسألة المحورية الأخرى التي يدور حولها الجدل القانوني والسياسي اليوم تتعلّق باختيار طريقة الاقتراع على الأفراد في دورتين بالأغلبية أو الاقتراع على القائمات بالتمثيل النسبي في دورة واحدة، وهي مسألة سياسية بحتة ترتبط بقدرة الفاعلين السياسيين على الفوز في الانتخابات، كما ترتبط بالتركيبة السياسية والأيديولوجية للمجلس التأسيسي الذي سيكون بالضرورة إفرازا لنتائج الانتخابات. ومن المتّفق عليه عموما أنّ الاقتراع على القائمات يرجح كفّة الأحزاب السياسية بينما يفضّل المستقلّون طريقة الاقتراع على الأفراد إذ يعسر عليهم تكوين قائمات من المترشحين. وتختلف الحجج القانونية والسياسية في هذا السياق لفائدة هذه الطريقة أو تلك، ولكن يتّجه هنا أيضا تنسيب بعض المواقف لأنّ الأحزاب السياسية يمكن لها عمليّا ترشيح أطراف مستقلّة تابعة لها فكريا وأيديولوجيا، كما أنّه يمكن للمستقلّين الترشح بالقائمات بدعم سياسي من طرف القوى الحزبية وغيرها. ويعني ذلك أنّ التمييز بين أهداف كلّ نظام اقتراع يرتبط بالضرورة بالواقع السياسي لكلّ دولة، ومهما كان النظام الذي سيقع اعتماده فإنّ كلمة الفصل ستعود للناخب وللمواطن الذي يعي جيّدا أنّ العملية الانتخابية هي بالأساس عملية سياسية ستحدّد مصير البلاد.
على أنّ هذا الجدل البنّاء والمتواصل حول طرق ونظم الاقتراع لا يجب أن يحجب أهميّة نقاط أخرى جوهرية وقع نوعا مّا تغييبها إلى حدّ الآن وتتعلّق بالوسائل العمليّة (أو اللوجيستيكية) للانتخابات وبتمويل الأحزاب السياسية والحملة الانتخابية ودور الإعلام فيها وبمراقبة الانتخابات من طرف هيئة مستقلّة قضائية أو شبه قضائية. فإضافة لطرق الاقتراع وتقسيم الدوائر الانتخابية، يكمن الأهمّ اليوم في معالجة هذه المسائل المصيرية التي تضمّنها المشروع حتى تكون نتائج الاقتراع سواء كان على الأفراد أو على القائمات مرآة عاكسة للمشهد السياسي الذي توضّح كثيرا هذه الأيّام وبدأ ينقسم جليّا بين قوى متمرّسة على العمل القاعدي والجماهيري وبين قوى لا تزال في طور التموقع وشحذ العزائم، بين قوى شرعت بعد في الاستقطاب والاستنفار وبين قوى أخرى قد تفقد الكثير من فاعليّتها بعد الانتخابات. والأكيد أنّ القوى السياسيّة وغيرها التي ستتأقلم ميدانيّا مع النظام الانتخابي مهما كانت طبيعته هي القوى القادرة على استئثار أصوات الناخبين ومن بينهم خاصة ما يسمّى بالأغلبية الصامتة أو الصامدة التي ستلعب دور الحكم الحقيقي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.
أستاذ محاضر بكلية العلوم القانونية بجندوبة، عضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديموقراطي.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.