dimanche 13 février 2011

الثورة العربية: شهادة وفاة المخطط الأمريكو- صهيوني




بدأت بوادر انهيار المخطط الأمريكو- صهيوني في الشرق الأوسط تتشكل في الأفق خاصة مع ظهور جيل جديد من الشباب في البلدان العربية، جيل يؤطر ذاته بعيدا عن دواليب السياسة ولا يؤمن بالتبعية الأيديولوجية، ويؤمن بضرورة التخلص من التبعية المخزية للغرب التي انتهجها النظام العربي، النظام الذي نسي في يوم من الأيام أنه يتولى إدارة شؤون الشعب وليس إدارة شؤون أمريكا في المنطقة.

منذ تنظيرات كوندوليزا رايس وتخطيطات رامسفيلد والشرق الأوسط يعتبر بمثابة حقل تجارب حول نوع السياسة التطويعية التي يجب انتهاجها قصد تطويع شعوبه وإخضاعها في ظل استمرار تقوي العدو الصهيوني الذي يعتبر الخاسر الأكبر من انهيار أكبر الأنظمة العميلة للحلف الأمريكو- صهيوني، حيث لوحظ استنفار النخبة الإسرائيلية لكل قواها في إطار محاولة الالتفاف حول الثورة المصرية، والدفع باتجاه تخويف الغرب من احتمال تولي الإخوان المسلمين للسلطة، وبالتالي انهيار جبهة عربية خارجية موالية لإسرائيل ومفرملة للرغبة العربية في اتخاذ قرارات تعيد للأمة كرامتها.

لقد انتهج مبارك منذ توليه سياسة تخريبية للعقيدة القومية التي بناها عبد الناصر، وذلك رهين بقتل الممانعة العربية وتزييف وعي جمعي عربي حول القضية، وهو ما سمعناه من الرئيس الصهيوني شيمون بيريز الملطخة يداه بدماء الفلسطينيين الأبرياء حين أمطر مبارك بالمديح والإطراء والرضا، واعتبره من أقوى الحلفاء!! فهكذا يكون خدام الإمبريالية الصهيونية...

إن التاريخ لا يحتمل الكذب يا كوندوليزا رايس وأنت تقبعين الآن في قمامته،فقد أظهر هذا التاريخ أن تخطيطك مفلس أمام قوة الشعوب، وأن استعداء الجماهير والتآمر عليها مع الأنظمة العميلة ليس مفتاحا للاستقرار، وقد كذب التاريخ أمريكا فيما قبل، حيث لا ننسى أن أهم حلفاء الغرب في بلاد فارس الذي هو شاه إيران كان يقول عنه نظام عبد الناصر إنه خائن حتى انقلب عليه طلاب الثورة الإسلامية، وصارت الأمور منقلبة اليوم بحيث أصبح النظام الإيراني معاديا لأمريكا وصار في مصر نظام عميل لم تشهد له العمالة والتبعية المخزية للغرب في التاريخ مثيلا.

إن ما كانت تنظر له رايس في هندستها لشرق أوسطي كبير، حمل اليوم عيدان لـَحْـدِهِ شباب الانتفاضة المصرية والتونسية قبلهم، حيث إن التحرير وتخليص القضية الفلسطينية من براثن النفاق الغربي بتعبير المفكر العربي عبد الباري عطوان يجعل هذا الغرب يتنازل عن نفاقه ونظرته للأمور بازدواجية.

ومن ذلك نستشف أن القضية الفلسطينية لن تحل حتى يتحرر العرب من أنظمة العمالة للغرب الذي يتستر على دهس القيم وحقوق الإنسان مقابل خدمة مخططاته ومصالحه الاستراتيجية في المنطقة ككل.

فلو كان الأمر في بلد آخر غير مصر، لكانت أمريكا قد هاجت وماجت وشحذت همم حلفائها حول ضرورة التدخل، لكن لغة الخشب الأمريكية والتخبط في التصريحات بين أوباما وكلينتون؛ وموفد الإدارة الأمريكية إلى مصر يظهر بالملموس أن هذا الغرب لا زال غير مستعد للتخلي عن أهم خدامه الأوفياء، بل يدير ظهره لصوت الشعب المصري المدوي والمجلجل وللأنباء عن قتل الصحفيين ومطاردتهم ويستمع فقط للتخوفات الآتية من تل أبيب والتي جعلت الصهاينة في موقف لا يحسدون عليه.

إن الاستقرار الذي تنشده أمريكا ومن يدور في فلكها في المنطقة بمفهومها ومقاربتها لن يكون هذه المرة ضد رغبة الشعوب، بل يمر بالأساس من بوابة الديمقراطية والكرامة واحترام مشاعر الآخر بدل محاولة تطويعه وتجويعه وهوما ولد حقدا دفينا في نفوس الشباب العربي الذي لم يعد قادرا على الاستمرار في المعاناة واجترار ويلات الخيبة والتبعية بينما الغربي يرسم إحداثيات وعيه ويتلاعب بجينات هويته بل ويفرض عليه اتباع نسق معين للحكم كله إذلال وخنوع.

فلينصت النظام العربي لصوت شعبه ولو مرة واحدة بدل الاستهتار به والتآمر عليه مع مخابرات الغرب التي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في هذا الوطن المكلوم الذي استفاقت أجياله الجديدة من الوهم والخوف، وهي أجيال لها مطالبها التي تتعدى الآفاق الضيقة التي يرسمها التضييق على الحريات؛ أجيال تتواصل فيما بينها وتتقصى الأخبار من وسائط إعلامية جديدة بديلة عن الوسائط الملجمة لأفواه الشعوب التي تمتلكها الأنظمة.

وفي إطار آخر بدأ النظام المصري في وقت معين بتصدير كذا مليون متر مكعب من الغاز يوميا إلى إسرائيل، بينما المصريون يقضون أيامهم في طوابير طويلة بحثا عن قارورة غاز طائشة، فهل بهذا الاستخفاف بالمواطن ومساعدة العدو نستطيع كسب ثقة الجماهير العريضة؟

لقد أفلست تنظيرات رايس ومن كان يسعى لاستضافتها في شرم الشيخ، هذا المنتجع السياحي الذي ارتبط في المخيلة العربية والوعي الجمعي للذاكرة العربية بالمؤامرة وطبخ ملفات و"كولسة " مواقف معينة تخرج في النهاية مخجلة متعثرة في سذاجتها، حيث يستبلد النظام العربي مواطنيه ويحاول دحرجتهم عبر لعبة القبول بالأمر الواقع إلى الاستكانة والجمود، لكن هذه المرة اختلطت عليه الأوراق وقلبت عليه الشعوب الطاولة حيث كل شيء يتم الصبر عليه إلا الحرية، ما دامت هذه الكلمة هي السبيل الوحيد لتشكيل معالم الانتقالات والتغيرات الجذرية عبر التاريخ في مجموعة من المجتمعات.

إن سنة 2011 ستكون سنة عربية بامتياز حيث من المرجح أن يعرف العالم العربي كله ثورات وانتفاضات الشعوب ضد الأنظمة السياسية، وهي مقاربة تبدو إلى حد ما كرد فعل ضد المقاربات الغربية للشرق الأوسط، حيث لم يخل اجتماع كبار القوم في ألمانيا من محادثات حول هذا الملف الشائك الذي يشغل بال أمريكا ويؤرقها أكثر، على الأقل منذ تخلصها من عدوها اللدود: نظام صدام حسين في العراق.

على هذا الأساس أصبح هذا الغرب يجنح دائما في فرض سيطرته إلى الاتجاه شرقا، شرق أوروبا فيما سبق والشرق الأوسط اليوم، وذلك كنوع من بسط نفوذه على مناطق العالم وتطويعها وإيجاد أنظمة عميلة تحافظ على مصالحه وإسرائيل نفسها تدخل ضمن هذا التنظير، وزوالها مرتبط بالأساس بتحرر المجتمعات العربية الإسلامية من ربقة الاستعباد الداخلي وإسكات الأصوات بطريقة أو بأخرى، بل وصل الأمر حتى إلى خلق أصوات مأجورة تنادي وتهتف لهذه الأنظمة، هي أصوات تقتات على احتياجات الفقراء وأمية البعض وعلى احتكار وسائل الإعلام المحلية.

لقد قدم الفايس بوك والانترنيت والمنتديات الاجتماعية اختراقا حقيقيا للخطاب السياسي الأوحد التي تروجه الأبواق الرسمية في وسائلها والتي لا تعبر بتاتا عن صوت الشعوب بقدر ما تركز على خطاب النظام العربي الذي من كثرة تكراره يسعى إلى القيام بغسيل دماغ الشعب العربي وتدجين لاءاته، من جهة. ومن جهة أخرى، فالمتأمل لتغطية القنوات الغربية كذلك يلمس طبيعة الخطاب الفكري المراد إيصاله والذي يتناغم مع مؤسسة الأدلجة السياسية الغربية التي لا ترى فينا سوى سوق استهلاكية عريضة لبيع السلع؛ مؤسسة لا ترى في العرب سوى بدو همج يتيهون في الصحراء ويركبون الجمال وهي "البروباغندا" المغرضة التي تحاول تسويقها عبر وسائل مشبوهة ومملوكة بخيوط "كراكيزية" لجهات تابعة للنفوذ الصهيوني.

الرئيس الأمريكي أوباما يقدم تصريحات بمقاس ميليمتري ويزن كلامه مخافة أن تنفلت الأمور من يده، ويسخط عليه مراقبوه في تل أبيب ولذلك يستمع بأذن صاغية لإسرائيل ويعطي لصوت الشعب العربي أذنا صماء، ما دامت الأولوية والمصلحة العليا هي لإسرائيل الخاسر الأكبر من الثورة العربية المجيدة استراتيجيا واقتصاديا وسياسيا.

ويوم يتخلص الشعب العربي من تبعيته للغربي ومن عمالة أنظمته، ويوم تصير مواقف ساسته متناغمة مع مواقف الجماهير التي تنشد فكرا تحرريا من الطغيان، آنذاك يمكن القول إن صوت إسرائيل سيصير مبحوحا عبر العالم ولا بوق له ما دامت أصوات الشعوب العربية تصدح فوقه عالية في الآفاق.

أما التغيير المهزلة الذي أقدم عليه النظام المصري- قبل خلعه- من خلال إقصاء وجوه في الحزب الوطني وتغيير وجوه في حكومة جامدة فيشبه إلى حد كبير تغيير فردة حذاء بأخرى بدل تغيير اللباس كاملا داخليا وخارجيا، حيث إننا نعلم جميعا طبيعة الدساتير العربية التي تساوي خردة حقيقية في سوق الحريات وحقوق الإنسان وحقوق المواطنة ما دامت تضمن للحاكم-الرئيس حصانة ضد كل الأعراف والحقوق المتفق عليها. ومن يقرأ هذه الدساتير يصاب بخيبة أمل في مسألة التداول على السلطة التي هي مبدأ الديمقراطية الحقة، كما أن الحكومات العربية ما هي في الحقيقة سوى حكومات إدارية لتصريف الأعمال وليست حكومات سياسية تملك سلطة القرار حتى ولو صوت عليها الشعب بأكمله، لأن سقف اشتغالها محدود بطبعه ولا تستطيع أن تتجاوز ذلك السقف.

المصيبة الأخرى هي الفساد المستشري والذي أصبح قطاعا نسقيا يبتلع خيوط الاقتصاديات العربية ويلهف عائداتها ويجعلها تصب في مصلحته، حيث بتنا نسمع عن مداخيل مهمة في كذا وكذا، بينما لا يلمس المواطن العربي من ذلك سوى لهيب الزيادة في الأسعار والضرائب وغلاء المعيشة. والمثال هنا هو الزراعة التي تم إقبارها في مصر وهي التي ارتبطت في تاريخ الوجود البشري بكون المصريين من أول الشعوب التي زرعت وأخرجت من الأرض بقلها وثمارها؛ مصر البقعة الطاهرة التي يمر فيها أكبر نهر في العالم تعاني أزمة غذاء بفعل سياسة عميلة أدخلت البلاد في تبعية عمياء لأمريكا مقابل معونة سنوية.

في الأخير، تجدر الإشارة إلى أن الشرق الأوسط بما هو عليه من ثروة طبيعية وطاقية وبشرية اليوم، يتجاوز كل التنظيرات المشؤومة التي دعت إليها كوندوليزا رايس، حيث أعلنت الشعوب العربية صراحة شهادة وفاة هذا المخطط الأمريكو- صهيوني، بمطالب باتت تتجاوز هذا الجمود والاستعباد السياسي الضيق إلى الانعتاق والكرامة والعدالة الاجتماعية والاستفادة المباشرة من الثروات، وهو مؤشر صريح على ضرورة استفادة أمريكا من هذه الدروس، دروس يكتبها الشعب بمداد التضحية على جبين التاريخ ولا تمحي أبدا بمرور الدهر.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.