lundi 28 février 2011

لا أخضر و لا أحمر.. الشعب العربي يقطف الكل



اتسعت رقعة الثورة الشعبية عبر ربوع العالم العربي لتشمل دولا كان يقول أصحابها إنهم بمنأى عن السخط الشعبي الذي جرف نظامي بن علي ومبارك في طريقه الهائج، حتى أصبحت قاب قوسين أو أدنى من جرف النظام الليبي وأنظمة أخرى مرشحة هي الأخرى للسقوط.

لو تأملنا هذه الصورة في الوطن العربي، الوطن الذي كشر فيه حكامه عن أنيابهم وهم يعتقدون أن الشعوب لا تستطيع الحراك لأنهم خدروا نخبها السياسية بمجموعة من الطرق من أبرزها الإغراءات لذوي النفوس الميتة والملاحقات من طرف الأمن والمخابرات لذوي المبادئ الثابتة، وهي صورة مقيتة حين تصبح الدبابات والقوات الوطنية التي مهمتها الأساسية الحرص على أمن الدولة من أعداء الخارج، فإذا بها تصير ألعوبة في أيدي النظام الذي يأمرها بتوجيه فوهة مدافعها وقمع الشعب وحماية النظام الديكتاتوري من السقوط وهو حال النظام الليبي وغيره، هذا النظام الذي يحكم ليبيا بلا مؤسسات دولة. ويضحك على الشعب الليبي بمهزلة اللجان الشعبية ومقولة "الشعب يحكم نفسه بنفسه" طوال أكثر من أربعين سنة، مهزلة دكتاتور في دولة غنية بتروليا وطاقيا ولا يصل إلى الشعب إلا الفتات من ذلك.

إن ما يقوم به النظام اليوم من قصف للمدن الليبية بالمدفعية الثقيلة والقصف الصاروخي يثير الدهشة حقا من الفعل الإجرامي لهذا النظام الذي طالما نوم الشعب العربي بمواقفه المزيفة وخرجاته الإعلامية والسياسية عن العادة والتهجم على الغرب وإسرائيل بإسطوانة مشروخة سرعان ما تهاوت على مطالب الحرية والكرامة الليبية.

فالشعب الليبي لا يثور من أجل لقمة عيش ما دام يتوفر على دخل فردي سنوي معدله يصل إلى 10 آلاف دولار سنويا، ومزايا أخرى، وإنما المسألة هنا مسألة كرامة وحرية وثورة من أجل بناء المؤسسات الحقيقية ودستور يضمن للشعب حقوقه وليس هذا المسخ المشوه الذي ألفه النظام الليبي والذي أتحفنا بتسميته بـ"الكتاب الأخضر" الذي لا يملك من الخضرة إلا الاسم والذي سرعان ما كشر عن أنيابه وتحول إلى ذئب أحمر يفترس المواطنين الليبيين الأبرياء ويرتكب المجازر الفظيعة بحقهم.

هذه المعطيات تجعلنا نتوقع أي سيناريو مستقبلا في ظل غياب شروط حقيقية وتوافقية تضمن حماية قانونية للشعوب وتتمثل بالأساس في مؤسسات ديمقراطية حقيقية تضغط بقوة ضد من يريد المزايدة أو من يريد استغلال سلطته لصالح نفوذه وهي المؤسسات ذاتها التي تفرمل من يريد الاقتيات على اللحم الآدمي وتبييت المكائد للشعب.

المسألة الأخرى المثيرة للقلق في هذه الظرف الاستثنائي هي النفاق الغربي المقزز والذي أبرز على مدى الثورة العربية التي شرعت في الإطاحة بأزلام العصور القروسطية، تورط هذا الغرب المنافق في المؤامرة على عدة أصعدة، من قبيل التستر على القمع وقهر الشعوب ليس حبا في سواد أعين الأنظمة ولكن حبا في بترولهم وثروتهم، ويوم ينتهي دورهم في المنطقة يقلب عليهم الغرب الطاولة.

قصة القذافي- كما يسميه الليبيون- تبدأ قبل تصالحه مع الغرب وكيف كان يصعد ويلهي الشعب على مدار عقود بملهاة أن ليبيا مستهدفة من الغرب، وكل ذلك لتلهية الشعب الليبي عن قضاياه الأساسية وتحسيسه بضرورة الوحدة الوطنية ضد الغرب/الشر بمفهوم "الزعيم الخالد" الذي حانت ساعة قطافه.

لكن بعد ذلك قدم مجموعة من العطايا لهذا الغرب قصد المصالحة، وأمطره بتنازلات خاصة مع إيطاليا العدو الأول للثورة الليبية اليوم والتي يشتبه في ضلوع مسؤولها الأول المتطرف المتصهين "برلسكوني" في قصف الليبيين بالطائرات الإيطالية.

إذا تأملنا هذا الوضع لا نملك سوى القول بأن السحر انقلب على الساحر، وهو السحر الذي لم يعد ينفع معه الكلام المعسول الذي يشبه إلى حد كبير كلام زعماء العصابات والذي يغلفه النظام الليبي بتوظيفه للمرتزقة الأفارقة في البطش وكبح جماح الشعب الليبي الأعزل، وهي ليست عادة جديدة لدى الرجل الذي سمى نفسه ملكا لإفريقيا وكان يتقرب منها أكثر وأكثر، وهو ما يفسر لنا اليوم سر هذا التقرب المشبوه، وها هي حليمة تعود إلى الفن الذي تتقنه، هذه المرة، فن قتل الليبيين وترويعهم، وهو الخطاب السخيف الذي نلمسه من الكلمة التي وجهها نجله سيف الإسلام يوم الأحد الأخير وفيه هدد الليبيين بوقاحة، إما بقاء القذافي وإما الحرب الأهلية حيث شرعت المدفعية الثقيلة في تنفيذه حسب وكالة رويترز.

هذا الخطاب حمل إلى الغرب نفس النبرة المغلوطة التي استخدمها مبارك قبل تنحيه عن السلطة، إذ أن ابن القذافي لم ينس أن يحذر الغرب من قيام "إمارة إسلامية" جنوب البحر الأبيض المتوسط في بنغازي على بعد نصف ساعة من إيطاليا كما يقول ولم ينس العزف على وتر ما يسمى بـ"التطرف الديني" وإثارة العاطفة التي تلجم الأمريكان بالخصوص، ولكنها نبرة خالية من رائحة الإقناع وإسطوانة فاسدة بات يرفضها الشارع الليبي ومعه العربي جملة وتفصيلا منذ قيام شرارة تونس التي أظهرت بالملموس هشاشة الأنظمة وسرعة تهاويها مثل أوراق التوت.

من جهة أخرى، تتبع الأجهزة الحاكمة نفس المقاربة في قمع الثورة: حصار تداول المعلومات في وسائط الاتصال البديلة عن الوسائط الرسمية، البدء بالتضييق على خدمات الإنترنيت وإيقافها، قطع خدمات الهاتف عن المواطنين، منع الإعلام الأجنبي من مواكبة الأحداث، منع الصحفيين من القيام بدورهم في التغطية، خلق فئة من البلطجية التي تشكلها وحدات الأمن بزي مدني، منع قناة الجزيرة بالذات والتشويش على التقاطها، التزوير الإعلامي المحلي والمغالطة في تغطية الأحداث وذلك راجع إلى كون وسائل الإعلام العمومية تعتبر بمثابة بوق لأنظمة الطاغوت التي تقتات من سمها الفاسد وتتهم المتظاهرين بالعمالة لأجندة خارجية، ثم في الأخير العمل على إثارة النعرة الطائفية ومحاولة الدفع في اتجاه خلق حرب أهلية. 

إذن كل هذه الوسائل غير المشروعة التي تستعملها هذه الأنظمة لم تعد مجدية ما دام الوضع العربي الراهن لن يسمح لهؤلاء مجددا بحبس أنفاس الشعب والتضييق عليه، كما يجب على النخب السياسية أن تتوقف عن التآمر على الشعوب ومحاولة تلميع صورة الأنظمة العاجزة وهي إلى حد ما متواطئة معها لأن الكل بات يعي أن نضج الشعوب يخترق كل الطابوهات الحمراء التي تكرست ويرتفع سقف المطالب في هذا الوطن العريض الذي يستحق أكثر من هكذا أنظمة، ويستحق فعلا أن تكون سلطته التشريعية أقوى سلطة وهي رمز الديمقراطية الحقة، وليس ديمقراطية الذل التي ذبلت ملامحها من كثرة استعمال مساحيق التجميل.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.