lundi 7 février 2011

الشيخ محمد الخضر حسين التونسي


 الشيخ محمد الخضر حسين التونسي
تاريخنا الإسلامي حافل بنماذج مشرفة للعلماء، الذين ضربوا المثل الأعلى في الفضل والعلم، والجهاد والدفاع عن الإسلام وشريعته الغراء، وتصدوا لكل من يحاول المساس بهذا الدين العظيم، وكثير من هؤلاء قد غمرهم النسيان، وقليل من الناس من يعرفهم.
من هؤلاء العلماء الأعلام الشيخ محمد الخضر حسين التونسي الطولفي الجزائري (تونسي المولد، جزائري الأصل).
ولد عام 1293هـ الموافق 1876م في بلدة ''نفطة'' بإقليم الجريد التونسي، لأسرة جزائرية رحلت إلى تونس من مدينة طولفة قرب بسكرة، وقد حفظ القرآن الكريم وتلقى مبادئ العلوم اللغوية والشرعية على الشيخ عبد الحفيظ اللمُّوشي.
وعندما بلغ الثانية عشرة من عمره (أي في عام 1888م) انتقل مع أسرته إلى تونس العاصمة، وبعد عامين التحق بجامع الزيتونة المعمور، حيث أخذ العلم على خاله الشيخ المكي بن عزوز، والشيخ عمر بن الشيخ، والشيخ سالم بوحاجب، وغيرهم من أساتذة الزيتونة الكرام.
وفي سنة 1903م نال شهادة العالمية (وهي تعادل الدكتوراة في عصرنا)، وكان متشبِّعًا بالروح الإسلامية الوطنية، فكان أول موقف له تجاه سلطات الاستعمار الفرنسي هو رفضه تولي بعض المناصب التي عرضتها عليه الحكومة الاستعمارية في تونس.
وفي نفس الفترة الزمنية (1903-1904) زار الجزائر موطن آبائه وأجداده، وكان قد أصدر في تونس أول مجلة أدبية وعلمية في شمال إفريقيا، وهي مجلة ''السعادة العظمى''.
وفي سنة 1905م تولَّى قضاء مدينة ''بنزرت'' وضواحيها، إلى جانب ممارسته للخطابة والتدريس بجامع بنزرت الكبير، وبعد عامين عاد إلى تونس العاصمة، وعُيِّن مدرِّسًا بالمدرسة الصادقية، وبعدها بعام تطوَّع للتدريس بالزيتونة ثم عُين مدرسًا بها.
وفي سنة 1907م اشترك في تأسيس الجمعية الزيتونية، وفي سنة 1911م قاد حملة لمناصرة الشعب الليبي في حربه ضد إيطاليا، فاتهمته السلطات الفرنسية ببث روح العداء للغرب، وضيَّقت عليه؛ فهاجر إلى تركيا عن طريق مصر وسوريا.
ثم عاد مرة أخرى إلى تونس ليهاجر منها ثانية إلى الشام، ثم إلى تركيا من جديد، حيث عمل محررًا عربيًّا بوزارة الحربية العثمانية، وشارك في مفاوضات سياسية خلال الحرب العالمية الأولى، ثم عاد إلى دمشق فاعتقله الأتراك عام 1916م عدة أشهر، ثم عاد إلى تركيا، وبعدها رحل إلى ألمانيا، وعاد مرة أخرى إلى تركيا ثم استقر في دمشق، فلما احتلها الفرنسيون عاد إلى تونس، ولكنه لم يلبث أن رحل إلى القاهرة عام 1921م واستوطن هناك، حيث أصبح عضوًا في هيئة كبار العلماء و''مجمع اللغة العربية''.
وفي سنة 1924م، أسَّس جمعية تعاون جاليات إفريقيا الشمالية، التي ضمَّت المجاهدين من تونس والجزائر والمغرب الأقصى.
وفي سنة 1927م ترأَّس الاجتماع التحضيري لتأسيس ''جمعية الشبان المسلمين'' بحضور أعلام الفكر وكبار الزعماء والعلماء في العالم الإسلامي، الذين اعترفوا له بالمكانة العلمية الكبيرة، فقدَّموه لرئاستهم.
وفي سنة 1952م تولَّى منصب شيخ الأزهر الشريف، ولكنه استقال من منصبه بعد أقل من ستة عشر شهرًا، عندما شعر برغبة السلطة المصرية في السيطرة على الأزهر، وتوجيهه حسب إرادتها، وخدمة مصالحها، وقال كلمته المشهورة: ''إن الأزهر أمانة في عنقي أسلِّمها حين أسلِّمها موفورة كاملة، وإذا لم يتأت أن يحصل للأزهر مزيد من الازدهار على يدي، فلا أقل من أن لا يحصل له نقص ... يكفيني كوب لبن وكسرة خبز وعلى الدنيا بعدهما العفاء''.
معاركه الفكرية
شاءت الأقدار أن تُمتحن الحياة الفكرية بفتنة ضارية أثارها كتابا: "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق، و"في الشعر الجاهلي" لطه حسين، وكان الشيخ محمد الخضر حسين واحدًا ممن خاضوا هذه المعركة بالحجة القوية، والاستدلال الواضح، والعلم الغزير.
أما الكتاب الأول فقد ظهر في سنة (1344هـ/1926م) وأثار ضجة كبيرة، وانبرت الأقلام بين هجوم عليه ودفاع عنه، وقد صدم الكتاب الرأي العام المسلم، حين زعم أن الإسلام ليس دين حكم، وأنكر وجوب قيام الخلافة الإسلامية، ونفى وجود دليل عليها من الكتاب والسنة، وكانت الصدمة الثانية أن يكون مؤلف هذا الكتاب عالمًا من علماء الأزهر.
وقد نهض الشيخ محمد الخضر حسين لتفنيد دعاوى الكتاب فأصدر كتابه: "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" سنة (1344هـ/1926م) تتبع فيه أبواب كتاب علي عبد الرازق، فكان يبدأ بتلخيص الباب، ثم يورد الفقرة التي تعبِّر عن الفكرة موضوع النقد فيفندها، ونقد استخدام المؤلف للمصادر، وكشف أنه يقتطع الجمل من سياقها، فتؤدي المعنى الذي يقصده هو لا المعنى الذي يريده المؤلف.
وقد كشف الخضر الحسين في هذا الكتاب عن علم غزير، وإحاطة متمكنة بأصول الفقه وقواعد الحِجَاج، وبصيرة نافذة بالتشريع الإسلامي، ومعرفة واسعة بالتاريخ الإسلامي ورجاله وحوادثه.
وأمَّا الكتاب الآخر فقد ظهر سنة (1345هـ/1927م)، وأحدث ضجة هائلة، حيث جاهر مؤلفه الدكتور طه حسين باحتقار والشك في كل قديم دُوِّن في صحف الأدب، وزعم أن كل ما يُعد شعرًا جاهليًّا إنما هو مختلق ومنحول، ولم يكتف بهذه الفرية فجاهر بالهجوم على المقدسات الدينية حيث قال: "للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، ولكن هذا لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي…".
وقد انبرت أقلام غيورة لتفنيد ما جاء في كتاب الشعر الجاهلي من أمثال الرافعي، والغمراوي، ومحمد فريد وجدي، ومحمد الخضر حسين الذي ألَّف كتابًا شافيًا في الرد على طه حسين، وكتابه بعنوان: "نقض كتاب في الشعر الجاهلي"، فنَّد ما جاء فيه، وأقام الأدلة على أصالة الشعر الجاهلي، وكشف عن مجافاة طه حسين للحق، واعتماده على ما كتبه المستشرق الإنجليزي مرجليوث دون أن يذكر ذلك.
في ميادين الإصلاح
اتجه الشيخ إلى تأسيس الجمعيات الإسلامية، فاشترك مع جماعة من الغيورين على الإسلام سنة (1346هـ/1928م) في إنشاء جمعية الشبان المسلمين، ووضع لائحتها الأولى مع صديقه محب الدين الخطيب، وقامت الجمعية بنشر مبادئ الإسلام والدفاع عن قيمه الخالصة، ومحاربة الإلحاد العلمي، ولا تزال هذه الجمعية بفروعها المختلفة تؤدي بعضًا من رسالتها القديمة.
وأنشأ أيضًا "جمعية الهداية الإسلامية"، وكان نشاطها علميًّا أكثر منه اجتماعيًّا، وضمَّت عددًا من شيوخ الأزهر وشبابه وطائفة من المثقفين، وكوَّن بها مكتبة كبيرة كانت مكتبته الخاصة نواة لها، وأصدر مجلة باسمها كانت تحمل الروائع من التفسير والتشريع واللغة والتاريخ.
وإلى جانب هذا النشاط الوافر تولى رياسة تحرير مجلة نور الإسلام ـ الأزهر الآن ـ التي أصدرها الأزهر في (المحرم 1349هـ/1931م)، ودامت رئاسته لها ثلاثة أعوام، كما تولى رئاسة تحرير مجلة لواء الإسلام سنة (1366هـ/1946م).
وتحمَّل إلى هذه الأعباء التدريس بكلية أصول الدين، فالتف حوله الطلاب، وأفادوا من علمه الغزير وثقافته الواسعة، وعندما أُنشيء مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة (1350هـ/1932م) كان من الرعيل الأول الذين اختيروا لعضويته، كما اختير عضوًا بالمجمع العلمي العربي بدمشق، وأثرى مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ببحوثه القيمة عن صحة الاستشهاد بالحديث النبوي، والمجاز والنقل وأثرهما في حياة اللغة العربية، وطرق وضع المصطلحات الطبية وتوحيدها في البلاد العربية.
مشيخة الأزهر
نال الشيخ عضوية جماعة كبار العلماء برسالته القيمة "القياس في اللغة العربية" سنة (1370هـ/1950م)، ثم لم يلبث أن وقع عليه الاختيار شيخًا للجامع الأزهر في (26 ذي الحجة 1371هـ/ 16 سبتمبر 1952م)، وكان الاختيار مفاجئًا له، فلم يكن يتوقعه أو ينتظره، بعدما كبر في السن وضعفت صحته، لكن مشيئة الله أبت إلا أن تكرم أحد المناضلين في ميادين الإصلاح، حيث اعتلى أكبر منصب ديني في العالم الإسلامي.
وكان في ذهن الشيخ حين ولي المنصب الكبير وسائل لبعث النهضة في مؤسسة الأزهر، وبرامج للإصلاح، لكنه لم يتمكن من ذلك، ولم تساعده صحته على مغالبة العقبات، ثم لم يلبث أن قدم استقالته احتجاجًا على اندماج القضاء الشرعي في القضاء الأهلي، وكان من رأيه أن العكس هو الصحيح، فيجب اندماج القضاء الأهلي في القضاء الشرعي؛ لأن الشريعة الإسلامية ينبغي أن تكون المصدر الأساس للتشريع، وكانت استقالته في (2 جمادى الأولى 1372هـ/7 يناير 1954م).
وكما مارس العمل الصحفي بتونس فقد مارسه في مصر كذلك، حيث أشرف على تحرير مجلة ''الهداية الإسلامية'' الناطقة بلسان جمعية الهداية الإسلامية التي شارك في تأسيسها بمصر.
وقد توفي الشيخ الخضر يوم 13 رجب 1377هـ الموافق 1958م.
مؤلفاته
ترك الشيخ الخضر حسين عددًا من الكتب والمؤلفات أشهرها: ''الدعوة إلى الإصلاح''، و''الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان''، و''الحرية في الإسلام''، و''محمد رسول الله خاتم النبيين''، و''نقض كتاب الشعر الجاهلي'' لطه حسين، و''نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم'' لعلي عبد الرازق، و''تونس جامع الزيتونة''، و''بلاغة القرآن''، و"القياس في اللغة العربية".
وكذلك "الخيال في الشعر العربي"، و"آداب الحرب في الإسلام"، و"تعليقات على كتاب الموافقات للشاطبي"، و''خواطر الحياة'' (ديوان شعر)، وغيرها كثير ...، وافتتاحيات مجلة ''لواء الإسلام''، ومجلة ''نور الإسلام''

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.