mercredi 9 février 2011

الخوف على تونس

التحول الديمقراطي في تونس يواجه عراقيل شتى'... هكذا يمكن أن يقول باحث سياسي ببرودة أعصاب أكاديمية، وبلغة نضالية يمكن لأي شاب تونسي ساهم في ثورة بلاده المجيدة أن يقول اليوم بأن هذه الثورة 'تتعرض لعمليات التفاف وإجهاض عديدة'. وبين هذا وذاك يمكن القول بحرص كبير على انتقاء المفردات وتجنب أي تهوين أو مبالغة أن المرحلة الانتقالية في تونس لا تبدو سهلة بالمرة وبأن الوضع السياسي الحالي في البلاد يحمل الكثير من المؤشرات المتضاربة التي تدعو إلى بعض الحيرة وكثير من القلق.
من السذاجة توقع أن يكون الانتقال من حكم بوليسي فاسد استمر ثلاثة وعشرين عاما إلى حكم ديمقراطي عملية سهلة أو سريعة، خاصة وأنه لم يمض شهر بعد على هروب بن علي من البلاد، لكنه من الاستخفاف عدم الانتباه من الآن إلى بعض المقدمات التي قد يكون بعضها مبشرا ببعض الخير وبعضها الآخر منذرا بقليل أو كثير من الشرور. هنا لا بد أن نعترف من البداية أن المرحلة الحالية في تونس ليست مرحلة نظام جديد قام على أنقاض نظام سابق بل هي مرحلة تقاسم سلطة ما زالت محصورة في حكومة تضم عناصر من النظام السابق وبعض أحزاب المعارضة القانونية إلى جانب شخصيات بارزة من المجتمع المدني. هذه المرحلة يفترض أن تستمر إلى غاية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تفرز قوى سياسية جديدة هي من ستتولى في نهاية المطاف عملية الانتقال الديمقراطي الحقيقي في البلاد. هكذا سارت الأمور في كثير من دول أوروبا الشرقية السابقة بعد سقوط دكتاتورياتها وهكذا سارت في بعض دول أمريكا الجنوبية كالأرجنتين دون أن ننسى دولا استمرت فيها المراحل الانتقالية لسنوات كالتشيلي.
إدراك أين نحن الآن لا يعني بأي حال من الأحوال ترك الأمور تسير على هواها في انتظار بروز شرعيات جديدة تفرزها صناديق الاقتراع. التحذير من الآن لبعض الأخطاء أو العثرات أو المنزلقات كفيل لوحده بالتنبيه إلى أن الشعب التونسي الثائر وقواه الشبابية الحية ليسوا في وارد تفويت لا كبيرة ولا صغيرة من أجل إشعار الجميع بأن من هبّ لإسقاط الدكتاتورية بصدور عارية لن يكون بالسلبية أو حسن النية التي تفتح المجال لاستمرار نفس الممارسات السابقة.
أكثر ما لفت الانتباه في الأيام الماضية في تونس أن قطاعات واسعة من أجهزة النظام السابق ترفض الاعتراف بأن عهدها قد ولى وانقضى. أول هذه الأجهزة جهاز الأمن الرهيب الذي أسسه بن علي واستحق به عن جدارة لقب الدولة البوليسية، فهذا الجهاز يحتاج بسرعة شديدة إلى تفكيك وإعادة تركيب جديدة وإلا ستكون تونس كمن أجرى عملية جراحية نسي فيها الطبيب المقص في الأمعاء.
ثاني هذه الأجهزة التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم سابقا فهذا الحزب الأخطبوطي هو تجمع لكل الانتهازيين والوصوليين والفاسدين في البلاد، إلا من رحم ربك، وبالتالي فبقاؤه وعدم محاسبة المتورطين منه سيكون أشبه بالإبقاء على آلة حادة أخرى في بطن ذات المريض. أما قطاع الإعلام، أحد أدوات النظام السابق الأكثر تدجيلا وتخلفا، فتحوله بين يوم وليلة إلى إعلام حر جريء أدى اختلاط بين الصحافي المهني النزيه التواق إلى الحرية بالانتهازي المتلون. هذا القطاع يحتاج إلى غربلة صارمة تطيح بكل الرموز والأقلام المهترئة خاصة أن التعيينات الأخيرة على رأس المؤسسات الإعلامية الكبرى ضمت أسماء لا تبعث على الارتياح بالمرة. ومن بواعث القلق أيضا قائمة التعيينات الأخيرة في سلك الولاة (المحافظين) وتصريحات وزير الخارجية التونسي غير الموفقة بالمرة في فرنسا وتغزله بمواقف نظيرته الفرنسية من تونس مع أنها لا تستحق ذلك أبدا وتحوم حولها شكوك مختلفة. لا بد من الآن من التحذير من كل هذا وغيره كثير.... قبل فوات الأوان



محمد كريشان
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=data/2011/02/02-08/08qpt697.htm

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.